"الزواج تحت سن 18 مأساة"

 

"الزواج تحت سن 18 مأساة"

إن ظاهرة الزواج المبكر، أو ما نحاول ترسيخ مفهومه كتزويج لأطفال، كان ولا زال ظاهرة تلاقي قبولاً لدى شرائح عريضة من مجتمعنا الفلسطيني في إسرائيل، وذلك رغم الإنجازات التي حققتها المرأة الفلسطينية على مستويات عدة، فنلحظ وجود إرتفاع مستمر لنسب الفتيات الملتحقات بالجامعات لنيل الشهادات العليا، كما وطرأ تغيير في شرعية خروج المرأة إلى ميدان العمل، وتمثيلها في الحيز العام قياساً بالعقود السابقة.
برأيي، استمرارية هذه الظاهرة وقبولها مجتمعياً يرجع بالدرجة الأولى إلى مفهوم "السترة" المربوط عادة بزواج الفتاة، فالتعامل مع الفتاة يكون بموجب القيم الأبوية التي ترى بدور "الزوجة والأم" الدور الأساسي للمرأة، والذي من خلاله يُصان عِرضَها وتُحفَظ سمعتها.
من هنا بادرنا في لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية {1} في الشهرين السابقين إلى إطلاق حملة إعلامية توعوية تحت شعار "الزواج تحت سن 18 -مأساه " حيث تستند هذه الحملة إلى معطيات وأبحاث جمعتها اللجنة، والتي تشخص واقع سن الزواج في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل؛ إذ تشير المعطيات الرسمية إلى وجود نسب عالية لحالات الزواج المبكر سنوياً، فتبلغ نسبة الفتيات المتزوِّجات دون سن التاسعة عشر ما يقارب ال 44% من مجمل المتزوِّجات في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.  إلا أنّ الأمر يزداد سوءاً وبشكل مقلق ضمن الفئة العمرية دون الثامنة عشر عاماً. بموجب المعلومات المتوفرة من دائرة الإحصائيات المركزية، تزوجت، خلال العام 2004، 1360 فتاة عربية دون سن السابعة عشر؛ وبما أن غالبية هذه الزيجات لا تسجل في الدوائر الرسمية فتقدير اللجنة أن ظاهرة الزواج المبكر منتشرة بشكل يفوق المعطيات الرسمية.
فيما يتعلق بتأثير هذه الظاهرة على الفتاة والمجتمع، تشير إحصائيات دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل إلى أن 10% من المطلقات العربيات هن دون التاسعة عشر عاماً، كما وأن الحمل في سن مبكر يضاعف نسبة الولادة بعملية قيصرية وخطر التعرض لتسمم الحمل. علاوة على ذلك، هنالك العديد من الدراسات التي ربطت بين صغر سن الزوجة وبين احتمال تعرضها للعنف من قبل الزوج وذلك لاستضعافها.  
 
هذه الحملة هي آلية جديدة تتبناها اللجنة للتأثير على الرأي العام بصدد هذه الظاهرة المقلقة من خلال تسليط الضّوء على مسبّبات الظّاهرة، أبعادها وانعكاساتها على المرأة والمجتمع، وتوليد القناعة لدى الجمهور العام بضرورةالعمل للحد من أبعادها. استخدمنا في الحملة تصميماً يحمل صورةً لفتاة في جيل المراهقة ترتدي الزي المدرسي وتضع بشكل عفوي طرحة عروس على رأسها (أنظر/ي الصفحة التالية). يبين هذا التصميم المفارقة بين الوضعية الطبيعية التي تنتمي لها الفتاة تحت السن القانوني وبين القالب الذي يحاول المجتمع، وتقتنع هي به أحياناً، وضعها داخله. كما وإن التعابير المرسومة على محياها تعتبر غامضة نوعاً ما، فهي تمزج حب الاستطلاع – بالذعر، وتمزج اللعب – بالجد؛ إنها تعبر عن المكان غير الآمن الذي لا تعرف ما تتوقعه من خلاله.
بين استطلاع الرأي الذي نفذه معهد الاستطلاعات "موتاجيم"، بأن الحملة حققت نجاحاً غير مسبوق، فقد تبين أن 40% من الجمهور انكشف للحملة، في حين أن 77% من المنكشفين تذكروا واحدة من رسائلها على الأقل.
 
أما عن وسائل الإعلام التي انكشف الجمهور من خلالها إلى الحملة فكانت على النحو التالي: 54% من خلال الصحف، 21% من خلال الراديو، 13% من خلال التلفزيون و9% من خلال الانترنت. كما وبين الاستطلاع ان الحملة أحدثت جدلاً واسعاً بين الجمهور، وغالبيته تعاطف مع رسائلها؛ إذ أن %70 من المنكشفين تحدثوا عن موضوع الزواج المبكر خلال فترة الحملة و غالبتهم تعاطفوا مع رسائلها.
 
تبين نتائج استطلاع فحص الحملة وردود الفعل التي وصلت إلينا من خلال عملنا الميداني أن الحملة حققت هدفها المركزي وهو خلق حوار مع الجمهور حول ظاهرة الزواج المبكر بأبعادها المختلفة مع التشديد على الجانبين الإجتماعي والصحي. وهنا أود أن أشارككم إحدى المحاورات التي وصلتنا بشكل مباشر والتي اعتمدت الأم في قرارها بعدم المسارعة في تزويج ابنتها البالغة من العمر 17 سنة، خطاب الحملة أن "زواجها في هذه الجيل مأساة". إن استعمال الأم للخطاب الذي ورد في الحملة يشير بشكل واضح إلى أن الرسالة المركزية للحملة قد نجحت في الوصول إلى أذهان الجمهور.
 
إن حملة "الزواج تحت سن 18 مأساة"  تؤكد لنا أن استعمال المنصات الإعلامية، التي كانت حتى سنوات قليلة ماضية حكراً على تسويق السلع التجارية، بات مجدياً لوضع الخطاب المجتمعي على أجندة الرأي العام وأن بوسعه توسيع محيط الدائرة التي نصلها كمؤسسات التغيير المجتمعي؛ كما ويجدر بأن نشيد بالدور الفاعل الذي لعبته وسائل الإعلام بمنصاتها المختلفة لإيصال الفكر الذي قاد الحملة ويقود عمل لجنة العمل على المساواة في قضايا الأحوال الشخصية.


[1]الّلجنة هي إئتلاف للجمعيات التالية:
"جمعية نساء ضد العنف", "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل", "لوبي النساء في إسرائيل", "مركز الطفولة-مركز نسائي وتربوي متعدّد الأهداف في الناصرة", "كيان– تنظيم نسوي" هذا بالإضافة إلى محاميات ومحامين وعاملات اجتماعيات وعمال اجتماعيين ومحاضرين/ات متطوعين/ات.